والأذى المنصبّ على الدعوة ، فقد انقطع عنه ينبوع الماء : الحياة الرسالية القدسية ، منزعجا بين العدو والحبيب ، فما ذا يصنع إذا؟
كان في حالته تلك المزرية المضرعة ، إذ بدر الوحي الحبيب بعد انمحائه وانقطاعه ، مسليا خاطره الشريف أن الوحي لم ينقطع بدافع الودع أو القلى ، وإنما لحكمة ، كما في الليل إذا سجى ، فقسما بوجهي الزمان : ضحى النهار : وسطه ورائعته ، وسجى الليل : غسقه ومنحدره ، (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) فكما الضحى رحمة ، كذلك الليل إذا سجى ، كلّ من جهة ، مهما خفيت حكمة الظلمة على الهائمين للضحى.
صحيح أن ضحى الوحي هي الحكمة كلها ، وهي الحياة الرسالية كلها ، وهي الزاد والمبدأ والمعاد ، ولكنها بحاجة في استمراريتها ـ ولكي يثبت الشاكون على حقها ـ بحاجة إلى زاد الليل إذا سجى ، فسجى الوحي وانقطاعه لفترة ، زاد لضحى الوحي واتصاله ، فناكر الوحي يتنبه أنه ليس منك ولا من شيطان ، وإلا فلما ذا ينقطع ، أرحمة منه ومنك في التضليل؟ والمؤمن بالوحي ينتبه أنك ـ لا تزال ـ بحاجة إلى ربك ، دون استغناء عنه ولا لحظة ، فلو شاء لقطع عنك رحمته : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً. إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً) فاعتبار أنه كتب على نفسه الرحمة ، ولا سيما لك خاصة ، فليس يقطع عنك وحيه ، لا قطع وداع بانقضاء دوره ، فلا ينتهى إلا بانقضاء عمرك ، ولا قطع القلى ـ وبالأحرى ـ بانقطاع صلوحك للوحي وأنت حي ، ففيه إزراء بالموحي والموحى إليه : بالموحي كيف لم يعرف نبيّه إذا ابتعثه وانتجبه ، فلم يعرف أنه لا يصلح لحمل الرسالة الأخيرة حتى النفس الأخير ، وبالموحى إليه ، كيف ينقطع عنه قبل انقطاع حياته ، رغم أن وحيه حياته ، فبه يحيى وعليه يموت ، أو كيف يعزل عن منصب الرسالة؟ الجرم أو خطيئة اقترفها ، فجاء الجواب الحاسم للصديق