والعدو : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) وإنما ترك الوحي بغير وداع ولا قلى ، وإنه لحكمة عالية : هي الحجة على الناكرين النافرين ، وانتباه وتثبيت للنبي والمؤمنين ، ف (ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) : ليس الوحي عن هوى نفسه ولا هوى عقله ولا هوى سواه ، إلا ربه ، وإلا فلما ذا ينقطع؟
وتضليل الهوى ـ أيا كان ـ ليس لينقطع! قد انقطع عنه الوحي ردحا من الأيام (١) ، ولأن اليهود سألوه عن الروح وذي القرنين وأصحاب الكهف فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : سأخبركم غدا ، ولم يقل إن شاء الله فاحتبس عنه الوحي ، وليدل اليهود أنه لا يقول من عنده ، وليدله أنه ليس بيده شيء حتى وعد الجواب ، فكيف بوحي الجواب ، وإنما هو رسول ، وإذا يعد فبإذن الله ومشيئة الله : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) (١٨ : ٢٤).
(وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) :
إيناس ثان لقلب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم المقروح : إن الحياة الآخرة خير لك من الأولى ، لك ولمن نحا نحوك ودخل حزبك ، وأين آخرتك من أولاك؟ :
فأنت في الأولى في بلاء وابتلاء وعيشة منغصة مشوبة بألوان المتاعب والمصائب ، وإن كنت في راحة ضميرك أنك أديت الرسالة ، وأنت في الآخرة في رحمة وراحة خالصة.
ثم إن لك عطاء من ربك قدر رضاك هنا وهناك : فهنا سوف يوحى لك خاتمة الوحي الذي لم يوح إلى أحد ، والذي سوف لن يوح إلى أحد ، وهناك :
__________________
(١) اختلفت الروايات انه يومان ١ و ٣ ـ ٤ ـ ١٢ ـ ١٥ ـ ٢٥ ـ ٤٠ يوما.