في البرزخ والمعاد سوف يعطيك ربك ما يرضيك ، وينسيك أتعابك في سبيل مرضاته ، فيتوّجك تاج الكرامة بين المكرمين وفوقهم ، تاج الشهادة والشفاعة :
(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) :
فهل إن الرسول ما كان راضيا عن ربه حتى يرضيه بعطائه رضى العبيد؟ نقول : إنه كانت حياته الرضا عن الله ، ولكنه لما أحتبس عنه الوحي ظنّه عن تقصير منه أو قصور ، فسخط على نفسه ، ثم بعطاء الوحي بعد انقطاعه رضي ، وثم بهذه الكرامة الوحيدة له من ربه زاد من ربه رضى ، فإن الله يعطي من يعطيه كما يرضى هو ، لا المعطى له ، وهنا الرسول يختص بهذه المكرمة الربانية ، أن أصبح عطاء الله له كما يرضاه صلّى الله عليه وآله وسلّم تخصيصا له عن جميع الصالحين! ، وهنا تمتاز آخرته عن سواه ميزة أخرى : «فترضى» كما أوحى إليه : (خَيْرٌ لَكَ) خيرية خاصة لك دون من سواك! وقد روي عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أنها الشفاعة (١) ، ولا ريب أنها من رضاه ومن أعلاه وأولاه ، شفقة على أمته الذين تؤهل لهم ، لا المسمون بها وليسوا منها.
(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى. وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى).
فالذي آواك بعد يتمك ، وهداك بعد ضلالك ، وأغناك بعد عيلولتك ، هو
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٣٦١ عن حريب بن شريح عن الباقر (ع) ان أرجى آية في كتاب الله (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) وهي «الشفاعة» وفيه ايضا عن جابر بن عبد الله قال : دخل رسول الله (ص) على فاطمة وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من حملة الإبل فلما نظر إليها قال : يا فاطمة! تعجلي فتجرعي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غدا ، فأنزل الله (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى).