الذي يجدد لك عهد الوحي بعد انقطاعه ـ وأحرى ـ ويعطيك فترضى ، فما هو يتمه وضلاله وعيلولته؟.
لقد كان النبي يتيما بكل معانيه : منقطعا عن أبويه ، إذ توفي والده قبل ولادته ، وتوفيت أمه بعد ستة أشهر ، فآواه الله إلى جده عبد المطلب وإلى عمه أبي طالب فكفلاه خير كفالة ، وكان يتيما : منقطعا عن النبوة والرسالة فآواه إليهما ، ثم يتيما عن الوحي إذ انقطع عنه فآواه ، ويتيما : منفردا بين الناس فآوى الناس إليه ، فلقد أزال عنه يتمه أيا كان.
(وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) : ليس هو الضلال عن الدين : (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) إذ إنه ولد ديّنا مؤيدا من عند الله مهما اختلفت درجاته قبل النبوة وبعدها ، أجل ـ ليس ضلالا عن اصل الهدى ، وعلى حد قول أمير المؤمنين في الخطبة القاصعة : «ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله وسلم من لدن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره». وللضلال هناك معان عدة ، أضلها ضلاله عن الدين ، فلا يصدّق عليه حيث القرآن والعقل لا يصدقانه عليه ، وإليكم منها معان :
١ ـ وجدك ضالا عن وحي الإسلام ونبوته ، فهداك اليه ، ضلالا عن الهداية الفعلية بوحي القرآن ، لا عن كل هداية وأبسطها : (ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (٢٩ : ٤٨) (ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ) (١١ : ٤٩) (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) (٤ : ١١٣) (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) (٤٢ : ٥٢).
أجل : إنك كنت ضالا عن هذا الهدى ، لا عن كل هدى ، فلقد كنت أهدى الناس قبل وحي القرآن ، بما كان يسلك بك روح الأمين محاسن أخلاق العالم ليلك ونهارك.