وقدره على كل قدر ، حتى أمن بعد الخيفة ، واطمأن بعد القلقة ، (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً).
أجل : وإن ظهر الرسالة المحمدية كانت ـ لو خليت وطبعها ـ منقضة : مقعقعة العظام من حملها ، مرضوضة من ثقلها ، حتى وضع الله ذلك الوزر ، بوزير من نفسه القدسية : من صدره المنشرح ، وبصيرته النافذة ، وصموده القويم ، وعقله المستقيم ... وبوزير هو كنفسه : علي أمير المؤمنين عليه السّلام الذي عرّفه عشرات المرات : أنه وزيره وأخوه ونفسه ومثيله (١).
هذا هو الوزر الموضوع عنه ، لا ما يظنه الجاهلون أو المعاندون ، أنه الذنب العظيم ، زعما أنه المعني منه لغويا وليس به ، إنما الوزر ما يثقل ويتعب ، ظهر الروح أو الجسم ، فإن كان بحساب الآخرة كان عصيانا ، وإن بحساب الدنيا كان طاعة ، فإن مرضاة الله تبتغى بالأتعاب والحرمانات يوم الدنيا ، وزرا في الدنيا وراحة في الآخرة ، عكس سخط الله.
ثم الامتنان هنا يشهد ، وتأخر الوزر عن شرح الصدر يشهد ، ثم الله شهيد مع هؤلاء الشهداء وقبلها : أن وزره صلّى الله عليه وآله وسلّم إنما هو وزر الرسالة القدسية ، بحملها وحملها وأعبائها وبلاغها!.
فلو كان ذنبا لم يمتن به عليه ، ولو كان غفرا لذنبه لقال : وغفرنا عنك وزرك ، ولكان مقدما على انشراح صدره ، فإنه لا ينشرح إلا بعد انمحاء الذنوب ، تحلية بعد تخلية.
ثم في وزر الرسالة ، ليس وضعه عزله عنها ، فهذا إهانة وليس مكرمة ،
__________________
(١) راجع كتابنا (علي والحاكمون) باب الوزارة وأمثالها.