الدنيا فارتياح ضمير المعسر في الله ، ويتبعه واقع يسره فيها ، وأما يسر الآخرة فهو أيضا واقع مهما كان خفيّا ، ولكنه يظهر يوم الجزاء.
وإذا أردت مكافأة بهذه المكرمات ، فإنها ليست إلا أن تستمر بها لما بعدك ، كما كنت تعيشها حياتك أيها الرسول!
(فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ. وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) :
فما الفراغ هنا؟ وماذا ينصب بعد الفراغ؟
ليس الفراغ هنا عن الصلاة ، لكي يكون نصبه نصبا في الدعاء ، ورغم أن الدعاء ليس فيها تعب ونصب! فالفاء المفرّعة توحي إلى أصل سابق ، وليس إلّا شرح الصدر ووضع الوزر ورفع الذكر ، التي تجمعها الرسالة المحمدية بعسرها ويسريها ، فليس الفراغ إذا إلا عن بلاغ الرسالة ، وما هو إلا عند حضور الموت ، فليس النصب إلا نصبا لاستمرارية الرسالة ، ولكي يرغب إلى ربه مؤديا مبلّغا ما عليه : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (٥ : ٦٧).
هنا في محاولة استمرار الرسالة عند الفراغ عنها نصب ونصب كلاهما يناسبان «فانصب» وخلاف ما يزعم ، ليس في الدعاء نصب ولا نصب ، ولا سيما للرسول الذي زاده الدعاء ، فلم يؤمر هو صلّى الله عليه وآله وسلّم هنا بالدعاء ، فإنه كان يعيش حياته الدعاء ، دون اختصاص بالفراغ عن الرسالة ، ولقد كان في نصب علي عند وصية الخلافة نصب بالغ إذ تبع الكلمة اللاذعة المشهورة ممن احتالوا الخلافة لأنفسهم فقالوا : «دعوه فإن الرجل ليهجر» ما تدمي العيون وتحرق الأكباد!
ثم «فانصب» لغويا ـ على الصحيح او الأصح ـ أمر بالنصب لا بالنصب ، وإلا كان «فانصب» ، وفي المنجد : نصب ـ نصبا الشيء : رفعه وأقامه ، والأمير فلانا : ولّاه منصبا.