الفاكهتين بعد انهضامهما ، وسفال البلدين لو تخلفا عما أوحي فيهما ، فليس العلو العال للإنسان ، لزاما له لأنه خلق في أحسن تقويم ، وإنما هو بحاجة إلى تقدمة زاد الإيمان والعمل الصالح ، ولكي يفلح ويمضي سليما في هذه العقبات والعرقلات التي تتربص به دوائر الضلال والسفال.
(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) :
هما الفاكهتان المعروفتان مع ما يحملان من رمز الكمال فيهما ، وفي البلاد التي تنبتهما ، فالتين شجرة عطوفة أليفة تفي قبل الوعد ، بخلاف الخلاف التي تعد وتخلف ، إذ تورق ولا تثمر ، وكذلك ذوات الأثمار التي تعد ثم توفي ، فالتين شجرة تظهر المعنى قبل الدعوى ، وهي تهتم بغيرها في ثمرها ، قبل أن تهتم بنفسها في ورقها ، تثمر ثم تورق ، تحقيقا لقول الله تعالى (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) .. وثمرها طعام لطيف خفيف الهضم ، يلين الطبع ويخرج مترشحا ، ويقلل البلغم ، وهو للمعدة كالبلسم ، ويطهر الكليتين ، ويزيل رمل المثانة ، ويسمن البدن ، ويفتح مسام الكبد والطحال ، وعلى حد تعبير الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم. إذ أهدي إليه طبق من تين : «كلوا ، فلو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت : هذه ، لأن فاكهة الجنة بلا عجم فكلوها فإنها تقطع البواسير ، وتنفع من النقرس» وعن حفيده الرضا عليه السّلام : «التين يزيل نكهة الفم ويطول الشعر وهو أمان من الفالج».
والزيتون فاكهة من وجه وإدام من آخر ودواء من ثالث وضوء من رابع ، ومن عجيب أمرها أنها لا تحتاج إلى تربية في أغلب البلاد ، ومن عظيم أمرها ذكرها في القرآن مرات عدة: (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) (٢٣ : ٢٠).
فكما أن هاتين الفاكهتين من أقوم الفواكه وأتمها ، كذلك بدن الإنسان فإنه خلق في أحسن تقويم.