تكون في الأرض والسماوات أجمع ، وبصرختها تفزع الكائنات وتميتها ، وبوقعتها تجددها وتحييها ، وإنها الهول البادي في انقلاب الكون المنظور ، كالهول البادي في الحشر بعد النفخ في الصور ، وهذا هو يوم الفصل المقدر بحكمة وتدبير.
ومما نعرفه ، على جهلنا بالصور ونفخه : أنه ليس بوقا ينفخ فيه ، إنما هو كناية وإيحاء إلى بسبب التدمير والتعمير ، أنه صيحة ما أقواها وأفزعها ، يسمعها الكائنات في أعماقها ، سمعا في كيانها ، استمع سامعوها أم لم يستمعوا ، كان لها سمع أم لم يكن ، فإنما الصرخة هذه تؤثر هكذا تدمير وتعمير ، إماتة مرة وإحياء أخرى بزجرتها .. (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) (٧٩ : ١٤ ـ ١٥) فنفخة الإحياء زجرة واحدة تنقل الموتى إلى أرض القيامة : الساهرة : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ) (٣٧ : ١٩).
والزجرة هذه والصيحة تلك والدعوة ، على سواء : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) (٣٠ : ٢٥).
وبما أن للكل نصيب منها على حد سواء : (فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) نستوحي أنها بمقربة من الكل ، بجنب الكل ، أو كأن الكائنات هي الصور كلها ينفخ فيها مرة لإزهاق أرواحها ، ومرة أخرى فتنفج لإعادة أرواحها.
(فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) :
أفواج الأخيار وأفواج الأشرار ، كل مع زميله وكل مع رتيبه ، فكما الأخيار أفواج لأنهم درجات ، كذلك الأشرار أفواج فهم أيضا درجات : (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) (٩٩ : ٦).