إلا تعلقا بالله ، لا يستقل عنه ولا آنا. وليس انفصاله عن هذه العلقة إلا انفصاله عن الوجود ، فهو في خلقه وعلمه وكل معطياته علق بالله ، وهو يعيش علقا منذ خلق وفي كل مراحل الحياة ، وخلقه أيضا من علق :
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) :
علق لا علقة ، فإنها الحالة الثانية للجنين ، الناشئة عن العلق : جنس الدودات الصغيرة العالقة وجمعها ، وهو منيّ يمنى ، فهذا المني علق مجموعه ، إذ يعلق بما يلحقه من ثوب أو بدن أو جدار الرحم ، وعلق جميعه ، إذ هو بحر لجّي من ملايين النطف : الدودات العلقية ، العالقة بعضها ببعض ، والعالقة كلها بجدار الرحم ، وليست الجرثومة الأولى هي العلقة : الحالة الثانية للجنين ، ولا العلق : مجموعة الدودات ، وإنما واحدة من العلق ، إن كانت واحدة ، وأكثر إن كانت أكثر ، لذلك (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) : بعض من البحر المنوي السابحة فيه ملايين العلقات : الدودات المنوية ، لا كله ، وهذا البعض هو النطفة من مني يمنى : (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ، ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى) (٧٥ : ٣٨).
فهنا علق ، وهنا واحدة من العلق هي النطفة ، وهنا علقة خلقت من هذه النطفة ، فالعلقة : النقطة الدموية العالقة ، هي الحالة الثانية الجنينية ، والثالثة المنوية ، ومن المضحك المبكي تفسير العلق بالعلقة ، خلاف اللغة ، وخلاف ترتيب الخلقة ، وخلاف كافة الآيات المستعرضة لخلق الجنين ، المبتدأة بالمني والنطفة والمثنية بالعلقة (١)! ولم يكن هكذا تفسير إلا لقصور العلم مسبقا عن أن المني يحمل ملايين الدودات ، يخلق من كل واحدة جنين واحد ، لا من المني كله.
ولقد بدر الوحي من الرسول الأمي لأول ما بدر ، بهذه المعجزة العلمية ،
__________________
(١) كالآيات (٧٥ : ٣٧) (٨٠ : ١٩) (١٨ : ٣٧) (٢٣ : ٥) (٣٥ : ١٠١) (٤٠ : ٦٧) (٣٥ : ١١). ليوحي إليك .. بحول الله وقوة الله اقرأ : أصل القراءة الوحي فأنه باسم ربك الموحي إليك ، وكل قراءة هي بالوحي فعليك ان تبدء فيها بالبسملة ـ ف «كل امر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر» واي بال فوق بال الوحي؟