من الله ، من العلوم الغريزية : الفطرية والعقلية ، ومن الاكتسابية الناشئة عنهما ، النامية بهما ، ومن علوم الوحي ، فائقة الفطرة والعقل ، المتحللة عن الاكتساب المعتاد ، وهي أعلاها ، الخاصة برجالات الوحي ، ولكي يعلّموا الناس ما لم يكونوا يعلمون : (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (٢ : ١٥١).
وقيّد العلم بالقلم ، لأنه لا يقيّد إلا به ، وكما عن الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم : «قيدوا العلم بالكتابة» وإنما هذا القيد في غير الوحي ، فإنه يقيّد في صفحات قلوب أصحابه دون حاجة إلى قيد القلم : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) فالله الذي علم الإنسان ما لم يعلم ، وما لم يكن يعلم ، هو الذي يأمرك بقراءة الوحي ، ويعلمك ما لم تكن تعلم : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ).
وتأريخ الحضارات يشهد أن كافة التقدمات العلمية الحضارية مستوحاة من وحي السماء برجالاته الذين بيّضوا وجه التاريخ بتعاليمهم النيرة (١).
وهل العلم دون قيد العمل يكفي الإنسان كرما؟ فكيف لم يقيّد به هنا ، الجواب : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) و «إن العلم مقرون بالعمل فمن علم عمل» (٢) ، وإن العلم من الله والعمل من الإنسان ، وإن كان هو أيضا بتوفيق الله.
والقلم ـ أي قلم ـ قلم الحبر ، أو الحديد الكاتب على الحجر ومثله ، أو قلم الأمواج المستخدمة لمسجلات الصوت والصور ، إنه مما يقيّد العلم كأحسن وأءمن ما يكون ، إلا قلم الوحي على قلوب النبيين ، فإنه في غنى عن الوسائل العادية والمحاولات البشرية ، فكما الوحي معجزه ، كذلك قلمه الذي يقيّده ، والأقلام كلها تخطئ إلا قلم الوحي!.
__________________
(١) راجع كتابنا (تاريخ الفكر والحضارة).
(٢) عن علي عليه السّلام وكما في روايات كثيرة ، تعني العلم الحقيقي.