القرآن المبين ، إضافة إلى الدليل المسبق من لزوم الكذب ، إلا أن يعنى منه قلب الرسول (ص) ، فأي بيت هو أعمر من قلبه المنير ، وهو أيضا في السماء الدنيا ، مع الخلق المكلفين ضرورة كونه في المرسل إليهم ، وإن كان كيانه فوق العالمين : بالأفق الأعلى.
ثم القرآن ليس طرأ يصعد أو ينزل إلى بيت في السماء! فليكن الرسول هو المعني بالبيت المعمور ، إذ عمر بقلبه المنير بوحي اللطيف الخبير.
أقول : لا سبيل إلى شيء من ذلك ، وإنما هو نزوله جملة واحدة بصورة محكمة دون تفاصيل ، في ليلة القدر على قلبه المنير ، ثم نجوما متفرقة طوال البعثة.
والقرآن يشير إلى هاتين المرتين في آيات ويصرح في أخرى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (١١ : ١) ف «ثم» * هنا ، تفصل بين القرآن المفصل والمحكم غير المفصل ، أن المفصل يتطلب نزوله زمنا بعيدا ، وهو مجموعة زمن الدعوة ، ولكن المحكم لا يتطلب إلا وقتا قصيرا يناسب أن يكون ليلة القدر.
ولقد كان الرسول خبيرا بالآيات قبل أن يقضى إليه وحيها : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) ومن المحال الاستعجال فيما لم يسبق منه للرسول بال ، ولقد كان يحرك به لسانه ليعجل به ، أتحريكا دون أن يعلم منه شيئا! : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (٧٥ : ١٦ : ١٩). فقد نهي
__________________
ـ وهذه الرواية واحدة شاذة لا سبيل فيها إلا التأويل المسبق في المتن ، وسندها : حفص بن غياث ، عامي لم يوثق وكذلك الراوي عنه محمد بن سليمان.
ولو كانت صحيحة مستفيضة أيضا لم تكن تثبت بيتا جسمانيا من حجر ومدر نزل فيه القرآن ليلة القدر إذ المعنى لا ينزل على الجسم ، إلا جسما فيه معنى ـ بحسابه ـ كقلب النبي الأقدس (ص).