عن الاستعجال في لفظا القرآن لينضم وحي اللفظ إلى وحي المعنى فيصبح القرآن وحيا مزدوجا ، وليكون تفصيل وحي المعنى أيضا بالوحي ، كما نرى في آيات تصرح : أن تفصيل الكتاب كمحكمه ، من الله (ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (٤١ : ٢).
ولقد سبق محكم القرآن أم الكتاب ، وفي هذه المرحلة المسبقة لم يكن كتابا ولا قرآنا ، وإنما علم الله المحكم دون أن يعلمه أحد : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (١٣ : ٣٩) : أصل الكتاب ، وعند ذاك لم يكن قرآنا يقرء : ولا عربيا : واضحا ، وإنما الله جعله قرآنا عربيا : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٤٣ : ٢) ـ ٣) عليّ من أن تناله الأفهام ، حكيم من أن تتطرق اليه الأوهام.
وبعد هذه الحكمة البعيدة المدى قبل نزوله ، أنزله الله بصورة محكمة هي تفصيل ام الكتاب ، أنزله على رسوله ليلة القدر جملة واحدة ، ثم فصله له طوال البعثة نجوما متفرقة ، ولم يكن الرسول ليعلم قبله لا مفصله ولا محكمه : (ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ) (١١ : ٤٩) (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ ..) (٤٢ : ٥٢) (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) (٤ : ١٣).
وهذه مراحل ثلاث للقرآن : ١ ـ القرآن المحكم لدى الله ، ٢ ـ القرآن المحكم لدى الرسول ، ٣ ـ القرآن المفصل لدى الرسول فلدى الناس : (هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ).
(إِنَّا أَنْزَلْناهُ) :
نستوحي من هذه التأكيدات الثلاث منزلة القرآن العالية ، ف «إن» * يؤكد النزول ، إذ لو لم يكن يتنزل القرآن عما عند الله من العلو والحكمة العالية ،