لم يكن الرسول ليفهمه فضلا عمن سواه ، فليس النزول هنا من مكان عال ، وإنما من مكانة عالية هي مرحلة ام الكتاب.
وضمير الجمع «نا» * يؤكد لنا : أن هذا القرآن مجموعة الرحمات الإلهية الممكن نزولها على الإنسان ، فجمعية الصفات هنا ـ لا الذات ـ تدلنا على أن نزول القرآن تصاحبه كافة الإفاضات من كافة الصفات الإلهية في أمرين :
حمل القرآن لما يمكن حمله من العلوم والتوجيهات الإلهية أولا وأخيرا ، ووضوح آياته ونصوعها لآخر درجات الإمكان ، فلا أوضح منه بيانا ، كما لا أعمق منه برهانا وتبيانا.
وأخيرا ـ إضافة إلى الأدلة المسبقة ـ نستوحي من إنزال القرآن هنا نزوله الدفعي ، كما التنزيل هو التدريجي ـ تتبع موارد استعمالها.
ثم لماذا أشير هنا بالضمير «أنزلناه» * دون تصريح بالقرآن؟ اعتبارا بأن القرآن المحكم ضمير مستتر ، وأنه لا يحق أن يعنى بالضمير المجهول ، إلا الوحي الأخير ، فكما ان «هو» * في الأشخاص لا يعني إلا الهوية المطلقة الإلهية ، لأنه «هو» * على الإطلاق ، كذلك «هو» * في النازل من وحي السماء لا يحق إلا للهوية المطلقة الكتابية ، فكتاب الله إله الكتب لأنه أنزله بعلمه.
واستنتاج ثان وهو أن النازل ليلة القدر لم يكن هذا القرآن المفصل حتى يصح القول : إنا أنزلنا هذا القرآن ، وإنما روحه المجمل ، ومحكمه المجهول عنا ، الغائب عن عقولنا ، ولذلك كله يستحق ضمير الغائب المطلق «هو» * تأمل.
(فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) :
فما هو القدر؟ وكم هي ليلة القدر؟ وما هي؟ وهل هي تتكرر طوال الزمن؟ أم إنها ليلة مضت دون تكرار؟ أم تكررت زمن الرسول ثم انقطعت؟.