تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ)(٨)
* * *
أهل الكتاب هم ـ على الأكثر ـ أتباع التوراة والإنجيل ، حسب اصطلاح القرآن ، وقد قرنوا هنا وفي آيات عدة أخرى ، قرنوا بالمشركين ، مما يبرهن لنا المعني من المشركين حسب القرآن : أنهم هم الوثنيون ، لا كل المنحرفين عن خالص التوحيد.
فأهل الكتاب مهما كان انحرافهم في عقيدة التوحيد من تجسيم وحلول وتثنية وتثليث ـ إنهم على انحرافاتهم الجارفة ـ لا يردفون في صف المشركين الوثنيين ، ولا تشملهم أحكامهم الخاصة ، مهما كانوا يضاهئونهم بعض الشيء في عقائدهم وطقوسهم ما لم تصل إلى عبادة الأصنام من دون الله.
نرى آيات بينات كهذه تؤكد لنا هذه الحقيقة ، بقرنها أهل الكتاب بالمشركين ، بل الإلهيين من غير الكتابيين أيضا ، كالصابئين والمجوس : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٢ : ٦٢) (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٢٢ : ١٧).
وإذا لا يعد الصابئون والمجوس ـ الذين لا يعرف لهم كتاب ـ لا يعدون من المشركين ، فأحرى باليهود والنصارى ألّا يعدوا منهم ، طالما كانت لهم عقائد مضاهية للمشركين ، وأن القرآن يندد بهم لهذا الانجراف الطائش في إشراكهم : (يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).