فعلينا أن نفرق بين الإشراك في العبادة من الذين يعبدون أوثانا وأصناما وطواغيت من دون الله ، وهم المشركون النجس : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) (٩ : ٢٨).
وبين الإشراك في الطاعة كاليهود والنصارى الذين (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) (٩ : ٢١).
وبين الإشراك في نية العبادة كالرئاء فيها : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (١٢ : ١٠٦) : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (١٨ : ١٠).
وبين الإشراك في ذات الإله كمن يثلث الله ويعتقده في ثلاثة أقانيم أو يثنيه في أقنومين .. وبين الإشراك في الخالقية وسواها من شؤون الألوهية ـ الخاصة.
والقرآن لا يعني من المشركين النجس إلا الفريق الأوّل وهم الوثنيون الذين لا يعبدون الله ، وإنما يعبدون من يزعمونهم شفعاء أو مختصين عند الله.
ومن «إنما» * في الآية : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) نستوحي أنهم الذين ليست عندهم إلا نجاسة العقيدة والعمل ، دون مبدأ إلهي يربطهم.
فالآية تحصر كيان المشركين ـ ككل ـ في النجس ، دون أن تحصر النجس فيهم ، مما يوحي بالمعنيّ منهم أنهم هم الوثنيون فحسب ، إذ إن غيرهم من المنحرفين في عقيدة الإله لا يحصر كيانهم ككل في النجس ، فلأهل الكتاب مبادئ صالحة ، مزيجة بأخرى غير صالحة من تجسيم وتثنية وتثليث ، وكما عند البعض من فلاسفة الإسلام كالمعتنقين عقيدة وحدة الوجود ، فكما ليسوا هم من المشركين النجس ، فكذلك أهل الكتاب ـ على ضلالهم ـ سواء.
والنجس في المشركين يجسم نجاسة أرواحهم ، فيجعلها ماهيتهم وكيانهم ،