فهم بكليتهم وبحقيقتهم نجس ، يستقذره الحس تباعا للروح ، ويتطهر منه المتطهرون ، وإنه النجس المعنوي لا الحسي ، ولكنها سرت إلى الجسم أيضا كسياسة إسلامية ، لكيلا يعاشرهم المسلمون ، نجاسة سياسية حيادية نشأت عن نجاسة المبدأ الذي يعتنقونه ، وهو تأليه غير الله.
إن القمة التي يهمها القرآن هي قمة التجرد لله والخلوص لدينه ، وقمة المفاصلة على أساس العقيدة مع كل أواصر القربى وكل لذائذ الحياة ، وهذه القمة ليست بالتي تتعايش منهج الجاهلية الرافضة لمبدأ الإله الحق ، مهما تساير الإلهيين الذين يؤمنون بالله ـ كيفما كانت تخلفاتهم عن خالص التوحيد ـ تسايرهم علهم يؤمنون : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (٣ : ٦٤).
وبعد كل ذلك فآية المائدة ـ وهي آخر ما نزلت من السور ـ إنها توحي لنا بطهارة أهل الكتاب : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) (٥ : ٥).
ولا يعنى من طعام أهل الكتاب إلا الذي يصنعونه أو يطبخونه ويلمسونه بأيديهم كالعادة ، إلا المحرمات المنصوص عليها في القرآن كالميتة والدم ولحم الخنزير والخمر وأمثالها.
والطعام ـ حسب اللغة (١) والقرآن والحديث ـ لا يخص البر وأمثاله كما زعم ، إنه كل ما يطعم وحتى الماء كما القرآن يصرّح : (.. قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً) (٢ : ٢٤٩) : لم يطعمه : الماء.
__________________
(١) لسان العرب «الطعام اسم جامع لكل ما يؤكل ، وقال ابن الأثير : الطعام عام في كل ما يقتات من الحنطة والشعير وغير ذلك.