تاريخ المتقدم منهما ، والمتأخر ، حكمنا بطهارته لتعارض استصحابي الطهارة والنجاسة والرجوع إلى قاعدة الطهارة ، وكذلك إذا علمنا طهارته وشككنا في زواله ، ثم يختلف عن طهارة المسلم فيما إذا تأكدنا من نجاسته وشككنا أنه طهّر أم لا ، فالكتابي إذا محكوم بالنجاسة قطعا ، ولكنما المسلم يحكم بطهارته لو غاب زمنا تؤتى فيه فرض الصلاة ، أو أية عبادة مشروطة بالطهارة ، والتفصيل إلى المفصلات ، وكما شرحناه في كتابا «الفقه على ضوء القرآن».
(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) :
فمنهم من كفر بالرسالة المحمدية فعدّ في عداد الكافرين ، ومنهم من آمن فهم المؤمنون ، ولم يكن ليبرز الكفر والإيمان بينهم حتى تأتيهم البينة ، ولم يتمكنوا من التحلل عن كفرهم حتى أتتهم البينة فتمكنوا ، ولكنهم تمنّعوا ـ على مكنتهم ـ عن الإيمان.
إن انفكاكهم عن ضلالهم ـ علميا أو واقعيا ـ لم يكن يتحقق إلا على ضوء البينة : (رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً) : مطهرة من وحي الشيطان ، ومن الدس والتحريف ، رغم كتبهم التي أصيبت بشتى ألوان الاختلاف والاختلاق ، فلم يكن أهل الكتاب ليميزوا وحي الرحمان عن وحي الشيطان في كتبهم ، ولا المشركون بعقولهم المدخولة ، وأما إذا أتتهم البينة : (رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً) ، فكان عليهم الانفكاك عن كفرهم ، ففريق منهم انفكوا فأصبحوا مسلمين ، وفريق تجمدوا على واقع ضلالهم عمليا ، رغم ظهور الحق لهم على ضوء الصحف المطهرة.
وبما أن الانفكاك هو الانفصال عن اتصال شديد ، اتصالهم الشديد بضلالهم القديم ، فقد كان من الواجب أن تأتيهم بينة قوية ناصعة ، لكي يتحللوا عما