«قيمة» * : إذ لا تنسخ ، خلاف البعض مما في الصحف الأولى ، قيّمة تحمل كل القيم الحيوية للإنسان ، وقيمة لأنها الأصل في التشريع يقاس إليه ما سواه.
وهذه الصحف المطهرة ـ مهما كانت ـ فهي لم تكن في قرطاس ، إنما في لوح قلبه المنير : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (٢٣ : ١٩٤).
فقبل أن توحى إليه لم تكن صحفا قطّ : (ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ) (١١ : ٤٩) وقبل أن يتلوها عليهم ما كانت صحفا للناس ، إنما له إذ أوحيت إليه ، ثم بتلاوته لهم أصبحت صحفا لهم كما كانت له صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ودليلا كتابيا على أن الصحف ليست في قرطاس ، وإنما القرطاس ظرف ضئيل من ظروفه التي تحمله : (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) (٨١ : ١٠) : صحف الأعمال تنشر ، وليست هي إلا انعكاسات الأعمال والأقوال الموجيّة : (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ. فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ. مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ. بِأَيْدِي سَفَرَةٍ. كِرامٍ بَرَرَةٍ) (٨٠ : ١٦) ومعلوم أن الوحي لم ينزل على رسل السماء (الملائكة) ورسل الأرض (النبيين) لم ينزل عليهم في قرطاس : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٦ : ٧).
فهذه الصحف المطهرة ـ وهي بينة ـ قد تلاها محمد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو أيضا بينة.
هذه ليست بالتي تسمح بالتفرق ، وإنما لزامها الوحدة المتماسكة حول الحق الناصع منها.
ولكن أهل الكتاب ، رغم أنهم لم يكونوا ليتفرقوا قبل هذه البينة ، فقد كانوا مجتمعين في الضلالة ، رغم ذاك ، أخذوا يتفرقون بعد ما جاءتهم البينة.