(وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) :
تفرقوا في البينة وعن البينة ، تفرقا عامدا ، ففريق آمن وفريق كفر : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (٢٧ : ١٤).
وهكذا تكون طبيعة الإنسان وسجيته الطائشة المتخلفة : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ، وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢ : ٢١٣)(١).
ليس واقع الاختلاف وفكرته من الدّين الحق ، وإنما ممن يدّعون أنهم ديّنون ، ثم يختلقون مواد الخلاف تحت ستار الدين ، وقد عدّ الله تعالى الوحدة في الدين من رحماته الهامة التي يهدفها على ضوء الوحي وخيرة الإنسان دون تسيير (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) (١١ : ١١٨). خلقهم للرحمة ، ومن أبرزها الوحدة في الدين ، خلقهم لها ووجههم إليها بالوحي المتواصل ، ناهيا عن الاختلاف : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) (٣ : ١٠٥).
وإن أهم ما اختلف فيه أهل الكتاب لهو قصة الإله ، في كيانه وصفاته وأفعاله ، وفي عبادته ، فمن مجسّم ومثلّث ومثنّ ، ومشبه له بخلقه أسخف تشبيه .. وإلى أن أصبح السيد المسيح عند الكثير من المسيحيين ، أصبح موضوع الإيمان ، وإله الآب فرعه ، يذكر في عداد الأقانيم ، ولكنه على الهامش
__________________
(١) راجع كتابنا (المقارنات) من ص ١١٥.