هداه الله على ضوء التصريحات القرآنية ، والكافر في غفلتين ، غفلة الجهل وغفلة الكفر (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ. وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ. لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٥٠ : ٢٠ ـ ٢٢).
كنت في غفلة عن الشهيد ، ومنه الشهيد الأرضي الذي شهد أعمالك وسجلها ثم يحدثك أخبارها ، (وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (١٨ : ٤٨) ، (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) (٣ : ٣٠).
فالأعمال كلها يوم القيامة حاضرة محضرة ، يحضرها الله تعالى بما سجلها في الأرض وفي أعضاء الإنسان ذاته ، وفي ذات الإنسان ، إن الله هو الذي يستنسخ الأعمال كما تصدر ، دون زيادة ولا نقصان ، ونسخة الأعمال هي الكتاب الذي سوف ينطق علينا بالحق : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٤٥ : ٢٨ ـ ٢٩) : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً. اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (١٧ : ١٥ ـ ١٦).
فكما الإنسان ـ نفسه وبأعضائه ـ هو من شهود الأعمال له أو عليه ، كذلك الأرض بجرمها وجوّها تسجّل أعماله وأقواله هنا ، ثم تحدثها هناك : (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها).
فكما رباك ربك وأعدّك للوحي تلقيا وتحديثا ، كذلك أوحى للأرض ـ إذ خلقها ـ أن تسجّل الأعمال فتحدثها.