(يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) :
يصدرون ـ هم ـ بعد صدور أعمالهم ، وبعد أن حصّل ما في الصدور ، يصدرون فيفاجئون بشهود المشهد العظيم ، (لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) نفس الأعمال كبداية للعذاب تخجيلا مما عملوا على رؤوس الأشهاد ، وإفحاما بواقع الأعمال ، ولكي لا يجدوا سبيلا للإنكار ، ثم عذاب ثان يستمر ، هو ظهور حقيقة هذه الأعمال ، فجزاء الأعمال إنما هي الأعمال لا سواها : (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فالأعمال رؤيتها وذواتها ، هي عذاب فوق العذاب.
يصدر الناس أشتاتا حسب شتات الأعمال ، ليروا أعمالهم ، كأن رؤيتها أخطر من جزائها ، أمرّ وأدهى مما يمرّ عليه ساعتها ، وإنهم ـ على أشتاتهم ـ ذاهبون على غفوة وغفلة مما عملوا ، وعلهم نسوها أو تناسوها ، ذاهبون إلى شاشة عرض الأعمال ، والشاشة هي الأرض كلها .. ومن أعماله ما يهرب من ذكراها ، فكيف بمواجهتها على رؤوس الأشهاد ، إنه يشيح بوجه عنها لبشاعتها يوم العرض ، حين تتمثل له في أمرّ نوبة من نوبات الندم ولذع الضمير ، ولات حين مناص.
فهل إنهم سوف يرون عظائم الأعمال دون صغائرها ، وهل إن رؤية الكبائر تنوب وتكفي عن رؤية الصغائر؟ كلا :
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) :
اللهم إلا الخير الحابط غير الثابت ، وإلا الشر الممحو الساقط على التفاصيل التي نجدها في الذكر الحكيم :
فمن السيئات ما تنمحي بترك الكبائر وفعل الحسنات : (.. إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) (٤ : ٣١) (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) (١١ : ١١٤).