ومنها ما تنمحي بالتوبة والشفاعة على شرائطهما المفصلة في محالها (١).
ومنها ما تنمحي بمصائب الحياة ونوازلها ، وكما عن الرسول الأقدس صلى الله عليه وآله وسلّم (٢).
ثم ترى منها ما تبقّى ، والويل لما تبقّى ، فمثقال ذرة منها لا تخفى إلا ظاهرة في شاشة المحشر وساحته.
وقد نحتمل أن صور الأعمال كلها تبقى ، ما يعفى عنه أو يحبط ، وما لا يحبط أو يعفى عنه ، فخير الكافر يبقى ـ على حبطه ـ يبقى ليراه فيزداد تحسّرا أنه لم ينفعه يوم الشقة ، وشر المؤمن يبقى ـ على عفوه ـ ليراه فيزداد سرورا بفضل الله وعفوه كما عن باقر العلوم عليه السّلام (٣) ، ولكنها رؤية لا تفضحه.
سوف يرى هناك ما لا يكاد يراه هنا ، فالذرة المادية هنا لا ترى بأعظم المجاهر ، وإنما هي رؤيا علمية في ضمير العلماء ، لم يروها حسيا حتى الآن ، وسوف يراها كل
__________________
(١) راجع «عقائدنا» ص ٢٢٥ ، ويأتي البحث عنها في طيات الآيات المناسبة إن شاء الله.
(٢) في الدر المنثور ج ٦ ص ٣٨١ أخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري قال : لما أنزلت هذه الآية (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ..) إلخ. قلت : يا رسول الله (ص)! إني لراء عملي؟ قال : نعم ، قلت : تلك الكبار الكبار؟ قال : نعم ، قلت : الصغار الصغار؟ قال : نعم ، قلت : وا ثكل أمي! قال : أبشر يا أبا سعيد فإن الحسنة بعشر أمثالها يعني إلى سبعمائة ضعف ، والله يضاعف لمن يشاء ، والسيئة بمثلها أو يعفو الله ، ولن ينجو أحد منكم بعمله ، قلت : ولا أنت يا نبي الله! قال : ولا أنا! إلا أن يتغمد في الله منه بالرحمة.
وفيه عنه (ص) .. أرأيت ما رأيت مما تكره؟ فهو من مثاقيل الشر ، ويدخر لك مثاقيل الخير حتى توفاه يوم القيامة ، وتصديق ذلك في كتاب الله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ).
(٣) تفسير علي بن إبراهيم عن أبي جعفر الباقر (ع) في قوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) يقول : إن كان من أهل النار وقد كان عمل في الدنيا مثقال ذرة خيرا ، يره يوم القيامة حسرة ، أنه عمله لغير الله ، (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) يقول : إن كان من أهل الجنة رأى ذلك الشر يوم القيامة ثم عفر له (نور الثقلين ج ٥ ص ٦٥١ ح ١٨).