فقد نزلت السورة في حرب ذات السلاسل لما بعث النبي (ص) عليّا إلى ذات السلاسل فأوقع بهم ، وذلك بعد أن بعث عليهم مرارا عدة غيره من الصحابة ـ بمن فيهم عمر وأبو بكر ـ فرجعوا إلى رسول الله (ص) فاشلين ، ولما نزلت السورة خرج رسول الله (ص) إلى الناس فصلى بهم الغداة وقرأ فيها : (وَالْعادِياتِ) فلما فرغ من صلاته قال أصحابه : هذه سورة لم نعرفها ، فقال رسول الله (ص) نعم إن عليّا ظفر بأعداء الله وبشرني جبرائيل في هذه الليلة فقدم علي عليه السّلام بعد أيام بالغنائم والأسرى.
إنه قسم بالمناضلين الصامدين الصادقين أن من سواهم من الخاملين الفاشلين لربهم كنودون : كفورون بنعمه التي منحها إياهم ، لا يستعملون القوة ـ التي حباهم ربهم ـ في سبيله.
قسم بنعمة الله لواقع الكفران ، وإن فيها تنديدا بالذين يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها ويفشلون في التذرّع بها إلى مرضاة الله ، لفشلهم في الإيمان الصادق.
هنا نرى بقية الآيات في (الْعادِياتِ) تستعرض كفران الإنسان وهيمانه في حب نفسه ، حب الشهوات والحيوانات ، حب الذات كحيوان ، تاركا حبه له كإنسان!
وليست هذه دعاية ضد الإنسان ، فإنه هنا شهيد على نفسه :
(إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ. وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) :
يشهد على كفرانه في ضميره ، لو بقي له ضمير ، ويشهد في أقواله وأفعاله ، شاء أم أبى ، وسوف يشهد يوم يقوم الأشهاد مع الأشهاد على نفسه ، شهادة صوتية وصورية ، بما سجلها ربه تعالى في أعضائه ، تشهد الألسنة بما سجل الله فيها من أقوالها ، والأسماع بما سجل فيها من مسموعاتها ، والأبصار بما سجل فيها من مرئياته ومبصراتها ، والجلود بما سجل فيها من أعمال بظاهر الجسد.