ثم الروحانيات والصفات والعقول والأرواح ، إنها أحرى أن توزن بالمثل العليا من أمثالها ، وفي هذا الباب ليس الثقل إلا للصالحات دون الطالحات.
فالصالحات هي ثقل الميزان ، والسيئات هي خفتها ، إذ ليس للسيئات ثقل ، فإنما الوزن هو الحق والموازين هي القسط : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) (٧ : ٩) لا : الوزن حق ، مع أنه حق ، إنما : الوزن هو الحق ، فالحق هو الميزان والميزان هو الحق ، دون أن يكون وزن أو ميزان للباطل (١) فلا يقام للكافر ميزان لحبط أعماله : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) (١٨ : ١٠٥) وكما عن الإمام زين العابدين عليه السّلام سنادا إلى القرآن (٢).
فالقسط والحق هما الميزان ، وهما ثقل الميزان : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) (٢١ : ٤٧).
فإفراد القسط هنا لجمع الموازين يوحي لنا أن مجموعة الموازين تتحد في أنها القسط ، دون أن يكون للظلم ميزان ولا وزن حتى توزن به السيئات ، إنما هو ميزان واحد هو الحق والقسط والعدل ، وكما الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام يصرح بسناد الآيات ويحذو حذو حفيده الإمام الصادق عليه السّلام.
__________________
(١) نور الثقلين ج ٢ ص ٥ ح ١٣ عن مصباح الشريعة قال الصادق (ع) في كلام طويل : فإذا أردت أن تعلم أصادق أنت أم كاذب فأنظر في قصد معناك وغور دعواك وعيرهما بقسطاس من الله عز وجل كأنك في القيامة ـ قال الله تعالى (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) فإذا اعتدل معناك بدعواك ثبت لك الصدق.
(٢) كما في التوحيد عن علي (ع) وقد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات وأما قوله تبارك وتعالى (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) فهو ميزان العدل يؤخذ به الخلائق يوم القيامة ، يدين الله تبارك وتعالى الخلق بعضهم من بعض بالموازين.