ولكن عليه أن يجب التي تقربه إلى الله زلفي ، وتجعل حياته الدنيا حياتا عليا ، ثم لا يفتخر بالكثرة الخيرة أيضا إذ ليس له حول ولا قوة إلا بالله.
وأما إذا جهل أمر الكثرة هنا وهناك ، فاختصها بالكثرة الكاسرة لكيان الإنسان ، ثم تفاخر بها تفاخرا بدافع الكبرياء ، فهو إذا مسامح عن إنسانيته.
والتكاثر له درجات عدة ومنها ما لا تقف لحد : تكاثر يتعدى الحياة والأحياء إلى الأموات ، فإذا تساوى المتكاثرون ، أو اختلفوا أيضا ، أخذوا في زيارة القبور : نحن أكثر رجالا وأولادا منكم بين أصحاب القبور ، وإن كنا حاليا على سواء ، أو أنتم أكثر منا ، مفتخرين بمصارع الآباء وقبور الهلكى ، رغم أنهم من الهلكى في حياتهم.
(حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) :
مقابر تزور مقابر اخرى (١) تفاخرا بأجساد طغاة البشرية!
وعلى حد تفسير إمام المتقين أمير المؤمنين علي عليه السّلام بعد تلاوته آية التكاثر :
__________________
(١) وليس المعنى من زيارة المقابر هو الموت ـ رغم ما قيل ـ لأن المخاطبين كانوا بعد أحياء ، فقد خوطبوا خطاب تنديد وتنبيه ، ولأن الموت ليس زيارة للمقابر ، إنما هو دخول القبر لمن يدفن في القبر ، وليس كل ميت يدفن ، ولأنه لم يقل مقابركم ، ومما يؤيد هذا المعنى أن السورة نزلت في حيين من قريش : بني عبد مناف بن قصي وبني سهم بن عمر ، تكاثروا وعدوا اشرافهم فكثرهم بنو عبد مناف ، ثم قالوا نعد موتانا حتى زاروا القبور فعدوهم وقالوا : هذا قبر فلان وهذا قبر فلان فكثرهم بنو سهم لأنهم كانوا أكثر عددا في الجاهلية ـ عن مقاتل والكلبي.