وقد يحلف بموجبات المدلول أو دوافعه أو روافعه أو ... طالما الدليل واضح بمجرد التنبيه ، أو أنه بحاجة إلى تأمل وتعمّل ، ومجموعة الأقسام في القرآن أربعون قسما ، بين ما هو قسم بالأجرام العلوية أو السفلية ، وما هو قسم بالأدلة العقلية أو الحسية ، ولينظر الإنسان في واقع البراهين ، وليدرس العلل والمعاليل.
وهنا لإثبات خسر الإنسان يحلف بما يعم الدافع والرافع ، والسورة تبحث عن واقع الخسر للإنسان ودوافعه وروافعه ، فيعالج خسره بدعائم أربع.
(وَالْعَصْرِ) :
«والعصر» علّه الزمان ، أو نوائبه بعصرها ، وشياطين الجن والإنس فإنهم يعصرون الإنسان ، ليخسروه ماء الحياة ويدفعوه إلى الخسران ، والنفس الأمارة بالسوء فإنها تعصر وتحصر العقل حتى تخسره ، وكل دوافع الخسران فإنها عصر وقسر على الإنسان لتغرقه في الخسر.
فدوافع الخسر هذه ، المحسوسة منها والمعقولة ، تبرهن على واقع الخسر ، فإنها تخسر الإنسان في حياته ، ومعطياتها ، ولا بد للمبتلى أن يعرف ابتلاءه ، بأصله ونوعه ، ليفكر ويحاول في علاجه ، فكثير من الخاسرين في الحياة يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، وهم الأخسرون أعمالا ، وعن الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله هنا : «والعصر ونوائب الدهر» ، وعن علي عليه السّلام قوله : «والعصر ونوائب الدهر إن الإنسان لفي خسر وإنه لفيه إلى آخر الدهر» (١).
وعلّه حلف برافع الخسران أيضا ، كما هو حلف بدافعه ، دلالة على البلاء وعلاجه جملة واحدة :
__________________
(١) الدر المنثور ج ٦ ص ٣٩٢.