(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) :
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) : فمن خسر الحياة ، الاضطراب في الحياة ، والإخلاد إلى الأرض ، وأعمق ما يؤمن الإنسان ويطمئنه ، هو أن يؤمن بالله ، يأمن اليه ويؤمن نفسه بردعها عن غوغائيات الحياة ، بالإيمان بخالق الحياة.
إن الإيمان بالله هو اتصال الكائن العاقل ، الفاني الصغير الصغير ، المحدود المحدود ، بمبدإ الكون ، المطلق الأزلي اللامحدود ، وإنه انطلاقة قيمة من حدود الذات الصغيرة اللاشيء ، إلى رحابة الكون الكبير ، الكائن الأزلي القدير ، الذي خلق كل شيء وقدّره تقديرا.
إنه يرفع الإنسان عن عبودية مثله وما هو دونه ، عن أرباب متفرقين ، إلى عبادة الواحد القهار ، فالأرباب المتشاكسون تخرج العابد عن الاطمئنان إلى تناقض في الحياة وتخلّف واختلاف ، والإله الواحد يطمئن الإنسان (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
وإنه يقيّم الإنسان ويقوّمه على منهج ذاتي يرضاه الله تعالى ، فلا يكون الخير عنده فلتة عارضة مندفعا عما يهدفه لنفسه ، وإنما عن دافع واحد أصيل هو مرضاة الله تعالى.
وأخيرا ـ لا آخرا ـ الإيمان ينبوع غزير للأفكار والأعمال الصالحة ، فهي نتاج الإيمان الصحيح الفائض ، والإيمان الفاضي عن العمل الصالح ليس إلا صورة الإيمان ، وكلما تم الإيمان واقعا كثرت الصالحات الفائضة عنه ، وكلما قل قلت.
(وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) .. نرى العمل الصالح قرين الإيمان في الآيات التي تتعرض لأحدهما ، ويعني من الصالح ما يصلح ويصالح مع الإيمان ، (وَعَمِلُوا