(٢٧ : ٩٠) (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٥٢ : ١٦) .. ولأن العقوبة على النية السوء ظلم : (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٣٦ : ٥٤) ثم هو إضافة إلى ذلك ليس جزاء وفاقا.
وأما اللانهاية في الثواب فهي رحمة من الله وفضل فوق العدل ، والواجب في العقاب هو العدل ، وفضله يتطلب إما الغفران أو تقليل العقاب ، عكس الثواب.
ثم نظرة عميقة في آيات الخلود ـ أبديا أم سواه ـ توضّح لنا أنها لا تعني اللانهاية في العذاب ، حيث اللغة والقرآن يتوافقان في أنّ الخلود محدود!
فاللغة تقول : «الخلود هو تبري الشيء من اعتراض الفساد وبقائه على الحالة التي هو عليها ، وكلما يتباطأ عنه التغيير والفساد تصفه العرب بالخلود كقولهم للأثافي خوالد وذلك لطول مكثها لا لدوام بقاءها ثم استعير للمبقى دائما» (١).
والقرآن يصدق القسم الأول من معناه : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً) (٤ : ٥٦).
فلا يعني الخلود إلا طول المكوث ، أو أبد المكوث إذا كان أبديا ، ووصف الخلود بالأبد أحيانا ، وتركه أخرى ، يشهد أنه ليس المكوث الأبد ، وكما أن الأبد لا يعني اللانهاية الفلسفية ، وإنما البقاء طوال الحياة كما الآيات تشهد : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) (٩ : ٨٤) (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) (٢ : ٩٥) (إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها)
__________________
(١) غريب القرآن للراغب ، وفي لسان العرب أن الخلود هو دوام البقاء في دار لا يخرج منها ، والإبطاء عن الشيء كما يقال : خلد : أبطأ عنه الشيب ، ويقال للرجل إذا بقي سواد رأسه ولحيته على كبره : إنه لمخلد ، وللذي يسقط أسنانه من الهرم : مخلد ، والخوالد الجبال والصخور لطول بقاءها بعد دروس الاطلال ، وأخلد الرجل بصاحبه إذا لزمه.