حادثة عظيمة الشهرة ـ بالغة الأهمية ـ في حياة الجزيرة. وعلى حياة الكرة الأرضية ، عريقة الدلالة على مدى رعاية الله لأول بيت وضعه للناس ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم.
هذه البقعة المباركة التي اصطفاها الله تعالى لتكون الملتقى للإشراق الأخير من وحي السماء ، والنقطة الحاسمة التي تبدأ منها زحفها المقدس لمطاردة اللادينية في العالمين ، وإقرار الهدى والنور على طول الزمن وعرضه.
«ألم تر» : ألم تعلم علم المعرفة ، لحدّ كأنه علم العيان ، استفهام إنكاري إقراري ، ينكر أن يجهل هذه القصة أيّ من سكان الجزيرة وسواهم ، لأنها كانت كالنار على المنار ، وكالشمس في رايعة النهار ، فلم يكن أحد من الناس يجهلها ، فأولى بالرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ألا يجهلها ..
ويقرّ من وراء هذا الإنكار من يجب أن يتذكره ، من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .. يقرّ خارقة إلهية تدل دلالة باهرة ظاهرة (أَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) (١٢ : ٥٢) (وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ) (٨ : ١٨) (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (٦١ : ٨) (١).
__________________
(١) نور الثقلين ج ٥ ص ٦٦٩ ح ٨ عن روضة الواعظين ، قال علي بن الحسين (ع): كان أبو طالب يضرب عن رسول الله (ص) بسيفه ـ إلى أن قال ـ : فقال أبو طالب يا بن أخ! إلى الناس كافة أرسلت أم إلى قومك خاصة؟ قال : لا بل إلى الناس كافة ، الأبيض والأسود والعربي والعجمي ، والذي نفسي بيده لأدعون إلى هذا الأمر الأبيض والأسود ومن على رؤوس الجبال ومن في لجج البحار ، ولأدعون ألسنة فارس والروم ، فحيرت قريش واستكبرت وقالت : أما تسمع إلى ابن أخيك وما يقول ، والله لو سمعت بهذا فارس والروم لاختطفتنا من أرضنا ولقلعت الكعبة حجرا حجرا ، فأنزل الله تبارك وتعالى : (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) وأنزل في قولهم : لقلعت الكعبة حجرا حجرا : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ).