الصفات كلها اشتركت في هذه العطية الربانية ، ففي الكوثر نصيب من جمعية الصفات الإلهية ، ولو صح التعبير لقلنا : إن هذه العطية إلهة العطيات ، إذ صدرت من إله الأرض والسماوات بجمعية الصفات ، للنبي الأقدس وهو أفضل الكائنات عبر التاريخ.
(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) :
إن هذه العطية الغزيرة الفائضة الكثرة ، رغم ما أرجف المرجون ، إنها تتطلب شكرا يناسبها ، فكما المشكور له عطية لا فوقها عطية ، كأنها استأصلت العطيات فجمعتها في نفسها ، كذلك الشكر ، فليكن شكرا مستأصلا جامعا للشكر ، وليس إلا الصلاة للرب «لربك» * ناحرا فيها.
صلاة تجمع جوامع معاني الصلاة وحقائقها ، وتليق بساحة الربوبية : رب الكوثر المحمدي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، الصلاة التي تنقطع بك عما سوى الله ، وعن نفسك ، ألّا يبقي فيها بينك وبين الله أحد ـ ولا نفسك ـ صلاة الفناء المحض ، وإشارة باهرة لهذا الانقطاع التام إلى الله تعالى هو النحر : «رفع اليدين في تكبير الصلاة إلى النحر ، باطنهما إلى القبلة وظاهرهما إلى خلفها» (١).
هكذا نحر يلائم والتكبير عنده ، فالتكبير يعني أن الله أكبر من أن يوصف ،
__________________
(١) رواه الفريقان عن النبي (ص) وعن علي (ع) ورواه أصحابنا عن الصادق (ع) ، ففي الدر المنثور عن علي بن أبي طالب (ع) قال : لما نزلت هذه السورة على النبي (ص) قال النبي لجبريل : ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال : إنها ليست بنحيرة ، ولكن يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع ، فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين هم في السماوات السبع ، وإن لكل شيء زينة وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة. قال النبي (ص) : رفع اليدين من الاستكانة التي قال الله : «فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ» (٤٠٣).