ولأن العمل ـ أي عمل ـ محدود بطبيعة الحال ، زمنيا وفي كيانه وأثره ، فليكن الجزاء الذي لا يزيد عن العمل ـ بل هو نفس العمل بملكوته وذاته ـ ليكن ذلك الجزاء أيضا محدودا ومماثلا له في السوء : (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) (٤٠ : ٤٠).
فهل يا ترى أن اللانهاية في عذاب الخالدين أبديا ـ أنها الجزاء المثل الوفاق ، وهل إنها هي العمل بذاته؟ فكيف بالإمكان عقليا جعل المحدود غير محدود ، وكيف بالإمكان في عدل الله تعالى أن يزيد على العمل السوء المحدود زيادة لا محدودة ولو أمكن عقليا؟ وكيف نسمح لأنفسنا كموحدين أن نظن هكذا ظلم وقساوة برب العالمين؟ إن هذا إلا افتراء على الله أن يخالف العقل والعدل والرحمة التي كتبها على نفسه ، وكتابه الدال على حدود العذاب.
إننا نصدق إمكانية اختلاف السيئة وعذابها في الزمن ، فلا اعتبار بالزمن ، فكم من عصيان في زمن قليل له من الأثر السوء ما لا يساويه إلا آلاف أضعافه من الزمن ، وكم من عصيان في زمن طويل يقل عن الأول بكثير ، فالحد الزمني ليس هو المقياس في حد العذاب ، وإنما الآثار هي المدار في الجزاء.
نحن نصدق هكذا اختلاف ولكننا نحيل الاختلاف بالنهاية في العصيان واللانهاية في العذاب ، إحالة بسناد العدل والعقل والنقل.
ثم لنفرض إمكانية اللانهاية في العذاب وأنها عدل توافق العقل ، فأين رحمة الله تعالى التي سبقت غضبه؟ «ولذلك (الرحمة) خلقهم»!
من موانع المكوث اللانهاني في النار :
أنّ الرحمة هي المقصودة في الخلق مبدئيا دون الغضب ، ومن سبق الرحمة وأصالتها لا نهائيتها في الجنة للمؤمنين ، فليس الغضب المسقوق ـ العدل ـ هو اللانهاية ولو كان فلتقتض الرحمة للغصب أمدا ، فما كان بالرحمة وللرحمة فهو