كانا من ألدّ أعداء النبي والدعوة الإسلامية ، يجندان كافة طاقاتهما في سبيل تشويه سمعة النبي الأقدس ويعارضانه وجها بوجه ، ولقد اتخذ أبو لهب موقفه هذا من الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم منذ اليوم الأول للدعوة ، لكيلا تنمو ، ولتخبو وراء الستار فتدفن! وكون أبي لهب عما للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنه من زعماء قريش ، وأن بيته كان قريبا من بيته ، هذه كلها جعلت أذاه على النبي أشد.
يقول ربيعة بن عباد الديلمي : إني لمع أبي ـ رجل شاب ـ أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يتبع القبائل ، ووراءه رجل أحول وضيء الوجه ذو جمة ، يقف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على القبيلة فيقول : يا بني فلان إني رسول الله آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به ، وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه : يا بني فلان! هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقمس ، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة ، فلا تسمعوا له ولا تتبعوه ، فقلت لأبي : من هذا؟ قال : عمه أبو لهب (١).
وعن ابن عباس أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى يا صباحاه ، فاجتمعت إليه قريش ، فقال : أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدقوني؟ قالوا : نعم ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا؟ تبا لك ، فأنزل الله تبّت يدا أبي لهب (٢).
__________________
(١). رواه الإمام أحمد بهذا اللفظ.
(٢) الدر المنثور ٦ : ٤٠٨ ، وفيه عن ابن عباس قال : لما نزلت (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ..) خرج النبي (ص) حتى صعد الصفا فهتف : يا صباحاه! فاجتمعوا إليه ، فقال : أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا : ما جربنا عليك كذبا ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : تبا لك إنما جمعتنا لهذا ، ثم قام ، فنزلت هذه السورة.