وزوجته أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان كانت تحمل الشوك فتضعه في طريق النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وكانت تمشي بالنميمة ضد النبي الأقدس ، وتوري نيران العداوة والبغضاء ضده صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى أن نزلت هذه السورة للقضاء على هذه الدعايات الفاتكة ضد الدعوة الإسلامية ، وتشهير المضلين الذين كانوا يؤثرون على الناس ، فلما سمعت السورة جاءت إلى المسجد فلم تر النبي وهو جالس وأخذت تقول : مذمّما (تريد محمدا صلّى الله عليه وآله وسلّم) أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا.
وكان من عظيم خطر أبي لهب ضد الدعوة الإسلامية أنه كلما جاء وفد إلى النبي يسألون عنه عمه أبا لهب ـ اعتبارا بكبره وقرابته وأهميته ـ كان يقول لهم : إنه ساحر ، فيرجعون ولا يلقونه ، فأتاه وفد فقالوا : لا ننصرف حتى نراه ، فقال : إنا لم نزل نعالجه من الجنون فتبا له وتعسا.
فهذا نموذج من نماذج كيد أبي لهب على الدعوة الإسلامية ، هو وزوجته ، في عونه في هذه الحملة الدائبة ، يثيران حربا شعواء على النبي وعلى الدعوة الإسلامية ، لا هوادة فيها ولا هدنة.
تنزل هذه السورة مصرحة بهما وبكيدهما ، رادّة على هذه الحرب المعلنة منهما ، وتولى الله عن رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر المعركة ، فلم يكد يسمع إليهما الوفود بعد تشهيرهما هكذا.
(تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) :
آية قصيرة في مطلع السورة ، فيها تصدر الدعوة وتحقق وتنتهي المعركة ويسدل الستار.
أبو لهب اسمه عبد العزى ، كره الله أن يذكره باسمه كرها لمعناه ، فأبدل به من كناه هذا ، لكي يدل على التهابه ضد الدعوة ليحرق صالح الإنسان ، فهو لهيب النار كالجحيم : لا تبقي ولا تذر ، لا شأن لها إلا الإحراق ، بل إنه أبو لهب : أبو الإحراق.