والآية تشير أن ذاتيته النارية المحرقة لا تحرق إلا نفسه ، في الدنيا وفي الآخرة ، دون أن يقدر على إطفاء نور الله ، فالله متم نوره ولو كره الكافرون.
تبت يداه : استمرت طاقاته تماما في الخسران ، فما كيده إلا في تباب.
فاليدان هنا ـ وفي كثير مثله ـ يعنى بهما كافة الطاقات ، فقد تصرفان للخير فهما مباركتان ، وقد تصرفان للشر فهما مبتورتان متبوبتان ، وبما أن التبّ لغويا هو الاستمرار في الخسران ، فالآية تشير إلى الاستمرارية الخاسرة للطاقات اللهبية ، أنها خاسرة ترجع بالخسار إلى أبي لهب ، دون أن تكون مخسرة للدعوة الإسلامية ، إلا زمنا ما : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ).
فمن الخاسرين من يخسر دنياه دون عقباه ، كالمؤمنين المضطهدين ، ومنهم من يخسر عقباه دون دنياه ، كالكافرين المترفين المرحين الفرحين ، ومنهم من يخسر الدارين كأمثال أبي لهب ، يتعب نفسه في دنياه في حسد دائم وحسرة دائبة ، ثم ينتقل في عقباه إلى عاقبة أسوأ ، وإن تباب أبي لهب جمع بين العقيدة والقول والعمل.
وقد تكون اليدان هنا كناية عن قوة الجذب والدفع ، الإيجاب والسلب ، والدين والدنيا ، والدنيا والآخرة ، اليد غير المرئية ، وهي الطاقات الروحية ، واليد المرئية وهي الأعمال الجسدانية ، والآية تتحمل الكل ، فقد تبت يداه عن كل نتاج صالح بالنسبة لهذه النواحي الحيوية إطلاقا ، فلم يحصّل إلا خسارا دائما وبوارا دائبا.
«وتب» * : تبّ هو : تبت ذاته ، كما تبت يداه ، فتباب الأعمال هكذا تنتج عن تباب الذات على قدره ، فذات الإنسان وأعماله يتعاكسان مع بعض في التأثير ، فمكاسب السوء تؤثر رينا في القلب : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) ثم تزداد مكاسب السوء من جرّاء الإزدياد في رين القلب