إلى حيث لا يكاد يقبل صاحبه النصيحة : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٢ : ٧).
فرين القلب وختمه ليسا إلا من جراء مكاسب السوء الاختيارية للإنسان ، فقد خلقه الله تعالى ـ إذ خلقه ـ مؤمنا ذا فطرة نيرة موحدة : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ (١) الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٣٠ : ٣٠).
وفي تقدم تباب اليدين على تباب الذات إيحاء لطيف إلى أن ذاتية الإنسان ليست شريرة خلقيا ، وإنما من جراء الأعمال غير الصالحة ، ولا سيما العامدة ، «تبت يداه وتب هو» ، الله يترك هكذا إنسان في غيّه يتردى (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ)(٦١ : ٥).
وكما عرفناه ليست الآية دعاء من الله على أبي لهب ، إنما هو إخبار عن واقعه الشائن ، فممن يلتمس ربنا لتباب أبي لهب؟ أمن نفسه أم من إله سواه فوقه؟! فهذا الرأي من بعض المفسرين مسّ من كرامة الربوبية دون أن يعرف المفسر ماذا يرجع بقوله ، وإنما تقليدا عن أضرابه ..
(ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ) :
لقد تبت يداه وهلكتا ، وتب هو وهلك ، فلم يغن عنه ماله وسعيه ، ولم يدفع عنه الهلاك والدمار : لا ماله الذي ورثه أو كسبه ، ولا ما كسبه بما له وبماله من طاقات عقلانية وجسدانية ، ولا ما كسبه من أولاده ، فبدل أن تغنيه هذه المعطيات ، أخسرته وجعلته في تباب من أعماله ومن ذاته.
(سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) :
فأهل النار ـ في تقسيم مختصر أوّلي ـ على طائفتين : خالد فيها غير خارج