فالليل مجال الغاسق : ليل الأفق الخارجي ، وافق العقل والصدر والقلب ، فإذا وقب ونقر في واحد من هذه الآفاق فقد انتصر.
والليل حين يتدفق فيغمر البسيطة ، إنه مخوف بذاته ، فضلا عما يثيره من توقع المجهول الخافي من كل شيء : من وحش مفترس يهجم ، ولص فاتك يقتحم ، وعدو ماكر يتمكن ، وحشرة ضارية ، ومن شهوة تستيقظ في الوحدة والظلام ، وعقل قاصر ، وشهوة حاضرة ... كل ذلك ميدان لتجوال الغاسق ، فلو لا الإمداد الرباني والإعاذة الإلهية لكان يقب.
فليغلق المستعيذ برب الفلق على نفسه أولا دخول الغاسق : بخروجه عن الظلام أيا كان ، أو إخراج الظلام عن نفسه ، ثم إذا قصّر هنا فليستعذ برب الفلق من شر غاسق إذا وقب ... إذا دخل الظلام ونقر ، فرب الفلق هو الذي يفلق بعد الوقب ، كما أنه الذي يفلق قبله ...
(وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) :
.. النفاثات : أظنها جمع نفاثة كعلّامة ، مبالغة مضاعفة ، وهم الذين ينفثون وينفخون بكل ما يملكون من وسائل النفث والنفخ لتنفّج الباطل في غيه ، وفلج الحق في مضيه : ينفثون في عقد الحياة ، التي يعقدها غاسق إذا وقب : فهنا شيطان أول يحقق خطوة أولى : أنه يعقد في نقرته ، يعقد أمرا فيه تعقيد الحياة في أية مجالة من مجالاتها ، ثم شيطان ثان ـ أو شطنة ثانية ـ ينفث فيما عقده الأول ليحكم العقد كيلا ينحل بسهولة.
فالنفاثات تعم قبيلي الرجال والنساء ، دون اختصاص بالنساء ، وتعم السحر وسواه دون اختصاص بالسحر ، وتعم أية نفاثة تستحكم عقد الشر أو تحل عقد وعزائم الخير.