(وَكَأْساً دِهاقاً) :
هي الممتلئة المترعة المتتابعة (١) تقدّم إلى المتقين بأيدي الكواعب الأتراب.
(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً) :
.. لا بصورة عامة إذ الجو جو الجد والصدق .. ولا عن الكأس الدهاق بما فيها الخمر ، فما هي إلا : (بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ. لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) (٣٧ : ٤٦ ـ ٤٧) : لذة لأذواقهم ، ولذة لعقولهم وأرواحهم ، تزيدهم عقلا إذ ليس فيها غول «فساد» * ، ولا هم عنها ينزفون «لا يسكرون» فهي تجمع لذات الخمر وزيادة فوق الوصف ، وليس فيها غولها ونزفها ، لا جسدانيا ولا روحيا : (يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) (٥٢ : ٢٣).
فخمر الدنيا تخمر العقل وتستره عن إنارته ، وخمر الآخرة تخمر الجهل وتزيد العقل إنارة ، فهم يخمرون والهين في معرفة الله وحبه.
.. هذه مناعم محسوسة الظاهر مجهولة الحقيقة لأهل الأرض وهم مقيدون بمدارك الأرض وتصوراتها المحدودة.
(جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً) :
إذا كان جهنم للطاغين جزاء وفاقا لا تزيد عما قدموا لأنفسهم ، فالجنة للمتقين أيضا جزاء ، ولكنها جزاء العطاء لا الجزاء الوفاق ، لو لا العطاء هنا لم يكن جزاء ، أو هكذا جزاء ، ونفس التعبير بالجزاء أيضا عطاء ، فما هو جزاء من عمل لصالحه في نضد الحياة ، دون أن يرجع لفائدة وعائدة لرب العالمين : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) (٩٢ : ١٩ ـ ٢٠).
__________________
(١) ابن عباس فيما أخرجه عنه عبد بن حميد وابن جرير ـ وهو المعنى الجامع لمعاني اللفظة.