(إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) :
«أنذرناكم» بالنذر : نذر القول والفكر والفطر ، ونذر الرسل ووحي السماء.
(عَذاباً قَرِيباً) : محتوما ، فإن كل آت قريب ، قريبا في العقول ، وقريبا في واقعه إذ يبتدأ به منذ تفارق الروح جسدها ، ثم (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) (٤٢ : ١٧) (وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) (١٧ : ٥١). (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً) (٧٠ : ٧).
(يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) : ينظر أعماله بصورها إذ تحضر عنده : (يَوْمَتَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) (٣ : ٣٠) .. وبحقايقها التي هي جزاؤها ، نظرا في أعماقها وفي أعماق ذاته نفسه : ف (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢٧ : ٩٠).
(وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) : ١ ـ كنت ترابا كما كنت قبل أن أخلق ، ٢ ـ أو كما صرت ترابا بعد الموت ، فكنت كما كنت دون أن أحشر ، ٣ ـ أو كما تصبح غير المكلفين من الحيوان ـ ترابا ـ بعد حساب قصير يسير ، ٤ ـ أو كنت ترابا لرب الأرباب خاضعا غير متخلف عن أوامره (١) .. يا ليتني كنتها ،
__________________
(١) كما يروى عن النبي (ص) ففي العلل باسناده إلى عباية بن ربعي قال : قلت لعبد الله بن عباس لم كنى رسول الله (ص) عليا أبا تراب؟ قال : لأنه صاحب الأرض وحجة الله على أهلها بعده ، وبه بقاءها وإليه سكونها ، ولقد سمعت رسول الله (ص) يقول : إذا كان يوم القيامة ورأى الكافر ما أعد الله تبارك وتعالى لشيعة علي من الثواب والزلفى والكرامة قال : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) أي من شيعة علي (ع) وذلك قول الله عز وجل : (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) وعن الصادق (ع) في الآية «يعني علويا يوالي أبا تراب» (البرهان ج ، ص ٤٢٣ ح ١). أقول : وهذا من الجري والتطبيق والتأويل وليس تفسيرا ، إنما مثال لأكمل ما يجب على المسلم ، أن يضيف ولاية علي إلى ولاية الرسول (ص) وكما عن شرف الدين النجفي بعد نقله الرواية الأخيرة : «وجاء في باطن تفسير أهل البيت ما يؤيد هذا التأويل».