بليغ عن الحركات المتداخلة ، فما هي حركات أرضنا التي كنا نحسبها جامدة؟
إن أرضنا من السابحات في بحر الجو في فلكها كزملائها السابحات : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ .. وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها .. وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ .. وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (٣٦ : ٣٣ ـ ٤٠) سبّاحة في أعماق الفضاء ، دائرة حول نفسها وعلى جادتها الفضائية كأنها تعقل كيف تسبح : «يسبحون» *.
تسيّرها على مداراتها القوة الجاذبية العمومية ، فهي تسير وتطير دون انزلاق عن أفلاكها ولا انفلات وتناثر عنها ، بعمد لا ترونها : (رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) (١٣ : ٢) فثمّ ـ في السماوات المرفوعة بأنجمها ـ ثم عمد ولكن لا ترونها ، وعلها ـ أو منها ـ القوة الجاذبية العمومية.
وتكفينا آية الكفات إيحاء صريحا لطيران الأرض وحركاتها : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً. أَحْياءً وَأَمْواتاً) (٧٧ : ٢٥ ـ ٢٧) حيث الكفات هو سرعة الطيران على تقبّض فيه (١) ، فأرضنا هذه مسرعة في طيرانها متقبّضة ـ على ظهرها وفي حضنها ـ أطفالها : أحياء وأمواتا ، لو لا انضباط حركاتها والقوة الجاذبية المتحكّمة عليها لانفلتت أطفالها وتساقطت إلى أعماق الأجواء النازلة .. ولكنها كفات ويا لها من بركات في حركات ، وعلى حد تعبير علي أمير المؤمنين ـ عليه أفضل السلام والصلاة ـ حين يعطف إلى عطف الأرض على أولادها : «وعدل حركاتها بالراسيات من جلاميدها وذوات الشناخيب الشم من صياخيدها فسكنت من الميدان برسو الجبال في قطع أديمها» «.. فسكنت على حركتها من أن تميد بأهلها أو تسيخ بحملها أو تزول عن مواضعها فسبحان من أمسكها بعد موجان مياهها ، وأجمدها بعد رطوبة أكنافها ، فجعلها لخلقه مهادا وبسطها لهم فراشا ..».
__________________
(١) تفصيل البحث عن الكفات إلى سورة المرسلات.