(فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) : فما هي الساهرة؟ أكيد أنها ليست هي القبور ، فقد انتقلوا بالزجرة عن أجداثهم إلى ربهم ينسلون ، فهل هي وجه الأرض بعد زلزالها : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) (١٤ : ٤٨) فإذا تبدلت أرضيتها استحقت تبدّل اسمها ، وهي هي أرض العرض والحساب ، وكما يروى عن الرسول الأقدس صلّى الله عليه وسلّم (١)؟ أم هي أرض في السماء ينتقلون بأجسادهم من أجداثهم إليها؟ أم إن الساهرة هي ساهرة الأرواح بعد الانتقام من الأبدان كما يروى عن الإمام الصادق عليه السّلام (٢)؟ أم ماذا؟.
أقول : إننا نصدّق ساهرة الأرواح يوم الحساب : خلودها في الجنة أو النار ، لكنها مع الأجساد المناسبة لها ، ولكنها إذا هي الساهرة ، لا بالساهرة ، عكس الآية (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ).
وفيما إذا كانت أرض المحشر هي الساهرة ، فباعتبار كثرة الوطء بها كأنها تسهر بمن يمشي عليها دون انقطاع ، وأرض الدنيا ليست هكذا ، فهذه ساهرة الأرض ، وهي الموطئ والموطن لساهرة الأرواح بالأبدان ، سهرة بالحياة الأخروية ، وهذه السهرة تزيد أرض الحساب سهرة حقّت بها أن تسمى بالساهرة .. ساهرة بعد أن كانت أرضا فانية دائرة .. ثم لا حجة لنا أن الساهرة هي أرض في السماء ، في حين التصديق أن الجنة فوق السماء السابعة والنار
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٤٩٩ ح ١٩ مجمع البيان ، روى أبو هريرة عن النبي (ص) : (تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) فيبسطها ويمدها مد الأديم العكاظمي (لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) ثم يزجر الله الخلق زجرة فإذا هم في هذه المبدلة في مثل مواضعهم من الأولى ، ما كان في بطنها كان في بطنها وما كان في ظهرها كان على ظهرها.
وفي البرهان ٤ : ٤٢٥ ح ٣ عن القمي عن الباقر (ع): والساهرة الأرض كانوا في القبور فلما سمعوا الزجرة خرجوا من قبورهم فاستووا على الأرض.
(٢) وفيه عن الصادق (ع): «إذا انتقم منهم وماتت الأبدان بقيت الأرواح ساهرة لا تنام ولا تموت.