(قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) :
قالوها بعد دهشتهم ووحشتهم في وهلتهم وذهولهم وهم يفيقون ويبصرون فيعلمونها كرة إلى الحياة ، ولكنها الحياة الأخرى ، فيشعرون بالخسار والوبال فتبتدر منهم كلمتهم الحاسرة : (تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) كرة لم يكونوا ليحسبوا لها حساب ، ولم يقدموا لها إلا كل تباب ، فهم في حسرتهم يعمهون وفي خسرتهم يتيهون.
هذا وجه في هذه المقالات ، ووجه آخر عله مقصود مع الأول أو أنه هو المقصود فقط : أنها مقالتهم يوم الدنيا في نكران الحياة بعد الموت ، ويتأيد بقولهم : (أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) فإنها إلى الإنكار أقرب منها إلى الاندهاش والتصديق على عجب ، وبقول الله عنهم : (قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) حكاية عن مقال مضى ، وأخيرا إن الحي بعد الموت وإن كان صحيحا قوله : إنها خاسرة ، لكنه لا يصح قوله (أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) ، ولا قوله: (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) أقولا هكذا بعد إذ قضي الأمر؟ اللهم إلا دهشة وتعجبا .. لذلك نقول عل الوجهين هنا مقصودان ، وأحرى بالثاني أن يعنى.
(فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ. فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) :
إنما هي : الكرة ، زجرة واحدة ، صيحة خارقة تزجر عن الأجداث فإذا هم إلى ربهم ينسلون ، وإنها لا تكلّف مديدا من الزمن ، خلاف ما كانت الولادة في الدنيا ، إنما زجرة واحدة وصيحة ما لها من فواق.
إن الولادة يوم الدنيا كانت تتطلب زجرات ورحلات وتنقلات ، وهنا الولادة الثانية والخلق الجديد ليست إلا بزجرة واحدة ، واحدة فقط.
هذه هي زجرة الإحياء وقبلها زجرة الإماتة في النفخة الأولى ، زجرتان تختلفان في مفعوليهما ، وكما الزلزال والصيحة ونفخ الصور تختلف المرتان فيها.