رجوعا إلى حياة كانت في الدنيا ، إلا دنياها وتكاليفها ، وإنما الجزاء على ما قدمت يداه وأن الله ليس بظلام للعبيد ، وإذا كانت الحافرة هي الخلق الجديد فما هي المناسبة في هكذا تعبير؟.
إن الحافرة من الحفر وهو التراب الذي يخرج من حفرة ، وحافر الفرس ما يحفر التراب من رجله ، والحافرة الأرض المحفورة ، فالرد إلى الحافرة على ما في المفردات : مثل يمثل به لمن يرد من حيث جاء ، يقال : رجع في حافرته : أي : في طريقه التي جاء منها ، فهم إذ يردون إلى حيث جاءوا ، إلى مثل الحياة الأولى ، قالوا عنه بالرد إلى الحافرة ، ثم (تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) ، فإذ يموت الإنسان يبقى موضع وجوده خاليا كالحافرة من الأرض التي يراد ترابها ، فهم إذا حائرون مذعورون أن كيف رجعوا إلى الحياة بعد ما كانوا عظاما نخرة ، وتلك إذا كرة خاسرة.
كرّة خاسرة لمن خسروا أنفسهم في الحياة الدنيا ، وكرة رابحة للذين ربحوها فيها ، فليس الخسار إلا من أنفس الكفار ولا يظلمون فتيلا.
(أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) :
«أن صارت الأجساد شحبة بعد بضنها ، والعظام نخرة بعد قوتها» (١)
عظاما منخوبة بالية يصوت فيها الهواء لرخوتها ، بعد أن كانت قوية لا ينفذها الماء ولا الهواء .. عظاما بالية هبت بها الرياح فبثتها أيدي سبأ ، فكيف تجتمع أجزاؤها بعد تفرقها؟ وكيف ترجع إلى صلابتها بعد نحرتها؟ وكيف تحيى بعد موتها؟ (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (٣٦ : ٧٨ ـ ٧٩).
__________________
(١) من خطب أمير المؤمنين علي (ع) عن نهج البلاغة.