وهناك تخشع الأصوات (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) (٢٠ : ١٠٨) وتخشع أبصار القلوب .. وتخشع من الإنسان ما لم تكن تخشع يوم الدنيا ، فيوم القيامة تخشع خشوع الذل عن تقصير (وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ) (٤٢ : ٤٥) (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) (٧٠ : ٤٤) (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ. عامِلَةٌ ناصِبَةٌ. تَصْلى ناراً حامِيَةً) (٨٨ : ٢ ـ ٤).
قلوب ووجوه وأبصار هناك خاشعة من الذل ينظرون من طرف خفي : (يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ. أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً. قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) .. فيما هي شديدة الاضطراب ، بادية الذل ، يجتمع عليها الخوف والانكسار ، والوجفة والانهيار ، وهذا هو الذي يتناوله القسم بالنازعات إلى السابقات سبقا والمدبرات أمرا.
(يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) :
متحدثين عن وهلتهم وانبهارهم إذ يقومون من أجداثهم خشعا كأنهم جراد منتشر ، يقولونها في خبال وذهول. متسائلين سؤال الوحشة والدهشة ، عن رجوعهم إلى الحياة بعد نكرانها في حيونة الحياة الدنيا. ويقولون ـ هذه ـ علها جواب الأقسام الماضية.
فما هي الحافرة التي يخافونها؟ أهي القبر؟ ولا ترجع الأحياء يوم الإحياء إلى القبر! وليس في هكذا رجوع خوف ، بل هو ما يتمناه الكافر إذ يقول : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً).
أم هي القيامة ، وليس ورودها ردا إليها إذ ليست إلا مرة واحدة؟
أم هي الحياة كما كانت : «الخلق الجديد» كما عن باقر العلوم (ع) (١)
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٤٧٩ عن القمي عن الباقر (ع).