(فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى. إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) :
نكال الآخرة تتقدم هنا على الأولى ، ولأنها أشد وأبقى ، وأنها تشمل حياتي البرزخ والأخرى ، فأما نكال الأولى بما أنه يمثل نكال الآخرة تمثيلا ضئيلا ، فهو غرقه بمن معه في اليمّ على حين غرّة وغفلة وطغيان : (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى. فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ. وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) (٢٠ : ٧٧ ـ ٧٩).
فلما غشيه اليم بما طغى (قالَ آمَنْتُ .. آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ ...؟ (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) (١٠ : ٩٢).
هذا هو نكاله في الأولى ، بقي عذابا على روحه القذرة ما دام بدنه لمن خلفه آية ، ثم نراه حين الغرق يدخل جحيم البرزخ ، ثم يوم القيامة أشد العذاب : (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ. النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) (٤٠ : ٤٥ ـ ٤٦) ، وعلى حد تعبير باقر العلوم عليه السّلام : «أملى الله لفرعون ما بين الكلمتين أربعين سنة» (١).
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٥٠٠ عن الخصال عن زرارة عن أبي جعفر (ع) «قال : أملى الله لفرعون ما بين الكلمتين أربعين سنة ثم أخذه الله نكال الآخرة والأولى ، فكان بين أن قال الله تعالى لموسى وهارون : (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) وبين أن عرفه الإجابة أربعين سنة ثم قال : قال جبرئيل (ع) نازلت ربي في فرعون منازلة شديدة فقلت : يا رب تدعه وقد قال أنا ربكم الأعلى؟ فقال : إنما يقول هذا عبد مثلك» أقول والكلمتان قوله (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) وقوله (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ).