وصل إلى ذروتها ، والتدرج بنفسه برهان لا مردّ له على كذبه في دعوى الربوبية.
يقولها الطاغية مخدوعا بغفلة جماهيره الحمقاء وغفوتهم وإذعانهم له وانقيادهم ، أجل وإنها الجماهير الذلول تحني له ظهورها كالحمير فيركبها ، وتمدّ له أعناقها فيجرها ، وتحني له رؤوسها فيستعلي عليها ، وتتنازل له عن حقوقها الإنسانية فيطغى : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ) .. وما كان له أن يتقول بهذه القولة الكافرة لو وجد أمة واعية أبيّة كريمة مؤمنة عارفة أنه عبد كسائر العباد ، إن يسلبه الذباب شيئا لا يستنقذه منه ضعف الطالب والمطلوب.
فرعون في تضاد الآلهة :
إنه قد يعبد آلهة كما يعبدها غيره (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) (٧ : ١٢٨) آلهته اعتبارا أنه كان يعبدها ، أم آلهته لأن قومه كانوا يعبدونها ، أم بالاعتبارين.
وقد يدّعي هو الألوهية لأن له ملك مصر بما فيها الآلهة (وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ) (٤٣ : ٥١ ـ ٥٢).
ويهدد موسى إن اتخذ إلها غيره ، توحيدا لنفسه في الألوهية : (قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) (٢٦ : ٢٩) يعني إلها لا أرتضيه وهو الإله الحق ، فإنه كان يعترف بوجود أرباب وأنه أعلاهم : (فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) هناك أرباب متفرقون وأنا أعلاهم وربهم أيضا إذ أملكهم بمالي ملك مصر.
يبقى في طغيانه وغيّه هكذا : (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (١٠ : ٩٠ ـ ٩١).