إنها ليست هي الآية الكبرى بين الآيات ، وإنما هي منها وكما أراها موسى من قبل : (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) (٢٠ : ٢٣) وإنها هي العصا التي انقلبت ثعبانا مبينا بعد ما انقلبت حية تسعى ، هذه العصا التي نتجت عنها آيات تترى : فقد فلق بها البحر (فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (٢٦ : ٦٣) وضرب بها الحجر : (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) (٢ : ٦٠) ثم الآية الكبرى : (فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) (٧ : ١٠٧ و ٢٦ : ٣٢) آية أراه ربه إياها إذ كان بالواد المقدس طوى ، ثم أراها فرعون فكذب وعصى : (فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) (٢٦ : ٤٥).
(فَكَذَّبَ وَعَصى) لم يزده هذا البلاغ إلا فرارا ، فلم يفلح هذا الأسلوب الحبيب في إلانة قلبه المقلوب الخاوي من معرفة الله ، فكذب موسى واستمر في عصيانه لله ولموساه ، وتجاوز عن طغيانه الأول إلى أشرّ وأطغى (فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) تلك الكلمة الوقحة المتطاولة المليئة بالغرور والجهالة.
(وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى. قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى) (٢٠ : ٥٦ ـ ٥٧) أري آيات الله كلها بما فيها من آيات ربه الكبرى ، فكذب وعصى.
(ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى. فَحَشَرَ فَنادى. فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) :
ثم ـ بعد ما كذب وعصى ـ أدبر عن موسى وعن آية الله الكبرى ، أدبر يسعى في كيده فحشر حشره وجمع جمعه فنادى نداءه كأحمق حمقاء التاريخ : (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى) (٢٠ : ٦٠) : إنه تولى وسعى وجمع كيده وجمعه وعله مرتين : مرة لدعواه: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) وأخرى لمكافحة السحرة بسحرهم : آيات الله الكبرى ، أو عله مرة واحدة جمع فيها بين الكيدين : استخف قومه أنه ربهم الأعلى ، فأطاعوه فيما أراد.
(فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) : إنه تدرج في ربوبيته المزعومة المدعاة حتى إذا