إذا فكل إنسان ـ بل وكلّ حيوان ـ له اندفاع إلى الكمال والأكمل ، وكل مرحلة تالية تزكّ بالنسبة للسابقة وإن كانت هي أيضا تزكيا لسابقتها.
إذا فهذا سؤال لا جواب له إلا الإيجاب : «بلى إن لي رغبة إلى أن أتزكى».
ثم شعور النقص هذا ، وأنه متدرج إلى الكمال ، يدفعه أن يعتنق عقيدة الإله ، الرب الذي لا ينقص شيئا ولا ينقصه شيء ، وهو الذي يدرج إلى مدارج الكمال دون أن يتدرج هو نفسه.
ففرعون هذا ، الذي ظن أنه الرب الأعلى ، عليه أن يشعر بهذا البرهان أنه ليس ربا ، وإنما عبد في نقصان ، عليه محاولة التزكي ، ثم عليه أن يهتدي إلى ربه فيخشاه فلا يطغى ، فما ألينه كلاما وأنعمه! وما أبلغه برهانا وأقومه!
(وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى)(إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) العلماء بالله ، وما عدم الخشية من الله إلا لعدم العلم والمعرفة به وعدم الهداية إليه.
إن الهداية إلى الرب : «المالك المدبر» هي السبيل المنحصرة في التزكي ، فإنه يملك الإنسان فيدبر أمره كأحسن ما يكون دون حاجة منه إليه ، والمتزكي عند الرب المحتاج ـ الذي لا يملكه فلا يملك تزكيته ـ إنه ما يفسد أكثر مما يصلح.
إن مرض الطغيان المبتلى به فراعنة التأريخ لا علاج له إلا الشعور بالنقصان ثم محاولة التزكي بالهداية إلى الرب تبارك وتعالى ، فما أحلى دلالة تضم بيان المرض وعلاجه كأتقن وأحسن ما يتصور.
(فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى. فَكَذَّبَ وَعَصى) :
أراه الآية الكبرى ، الحسية ، بعد ما أراه الآية الكبرى العقلية ، ليجمع له الآيتين ويلزمه بالحجتين ، فما هي الآية الكبرى هنا؟!