(فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى. وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) :
يعلّم الله رسوله كيف يواجه ويخاطب الطاغية بأحسن الأساليب وأقواها جاذبية ، جامعة برهان العاطفة والعقل والإحساس ، لعله يتذكر أو يخشى.
إنه أمر بالذهاب إلى فرعون ، فاستدعى من ربه أن يشرح له صدره وييسّر له أمره ويحلّ عقدة من لسانه ، ويجعل له وزيرا من أهله هارون أخاه ، فأوتي سؤله فضمّ إليه أخاه عمادا ومساندا وناصرا : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي. اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي. اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى. فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى. قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى. قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى. فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى. إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (٢٠ : ٤١ ـ ٤٨).
لا نجد ألين من هذا الكلام عند ألعن حمقاء الطغيان : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) يبتدئ بالسؤال عن ميله إلى التزكي ، دون أن يحتّم عليه أنه قذر فيجب عليه التزكي (هَلْ لَكَ)؟! هل لك ميل ورغبة إلى ما يرغب إليه كل إنسان؟ (أَنْ تَزَكَّى) ولا يخلو من رغبته المتزكون أيضا فكيف بمن سواهم من الأدناس!
إن الإنسان كائنا من كان ، يشعر دوما بالنقصان ، لذلك يحاول فكريا وعمليا أن يزيل عن نفسه وصمة النقصان إلى الكمال والأكمل ، وما من أحد يرى نفسه بالغا إلى ذروة الكمال رغم «أن حب الشيء يعمي ويصم».
وهذه الحالة هي لزام الإنسان ككائن من الكائنات المخلوقة ، مهما كانت ادعاءاته الكاذبة أنه بالغ ذروة الكمال.