دحو الأرض وطحوها :
(وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) :
إن دحو الأرض وطحوها : (وَالْأَرْضِ وَما طَحاها) (٩١ : ٦) إنه كان أيا كان ـ بعد خلق السماء ، لا بعد السماوات السبع ، لما درسناه في الآيات من «فصلت» * أن تسبيح السماء كان بعد خلق الأرض ببركاتها وجبالها ، فما هو دحوها وما هو تأثيره عليها؟
إن الدحو والطّحو هما : الرمي بقهر والإزالة والرحي والدحرجة (١) ، والأخيرة هي أشمل معانيها وأكفاها دلالة على أن دحوها هو الحركة المنظمة ، أو بدايتها المكمّلة بإرساء الجبال في أعماقها وعلى حد تعبير الأمير عليه السّلام «وعدل حركاتها بالراسيات من جلاميدها وذوات الشتاخيب الشم من صياخيدها فسكنت على حركتها من أن تميد بأهلها أو أن تسيخ بحملها» و «سكنت الأرض مدحوة في لجة تياره ، وردت من نخوة بأوه واعتلائه وشموخ أنفه وسمو غلوائه وكعمته على كظة جريئة فهمد بعد نزقانه ولبد بعد زيقانه وثباته» (٢) .. وسكون الدحو هنا هو السكون عن الاضطراب بانتظام حراكها في دحوها.
__________________
(١) في تاج العروس «دحى السيل بالبطحاء رمى ، والمطر الداحي الذي يدحو الحصى عن وجه الأرض بنزعه ، والدحو الحجارة المراماة بها ، ويقال للفرس : مر يدحو إذا رمى بيده رميا.
وفي غريب القرآن للراغب الأصبهاني «دحى المطر الحصى من وجه الأرض ، أي جرفها ثم ذكر بقية المعاني المسبقة» والحركة المنظمة والدحرجة ظاهرة هنا وهناك.
(٢) وبداية الخطبة «كبس الأرض على مور أمواج مستفحلة ولجج بحار زاخرة يلتطم أواذي أمواجها وتصطفق متقاذفات أثباجها وترغو زبدا كالفحول عند هياجها فخضع جماح الماء المتلاطم لثقل حملها وسكن هيج ارتمائه إذ وطأته بكلكلها وذل مستحذيا إذ تمعكت عليه بكواهلها ، فأصبح بعد اصطحاب أمواجه ساجيا مقهورا وفي حكمة الذل منقادا أسيرا» ..
أقول : والظاهر هنا ومن غيره أن الأرض رويت لأول مرة بالغرق ولم يكن سبيل لترويتها إلا هذا ، ثم ابتلعت الماء ثم أخرج الماء منها بدحوها.