وقد ذكرنا مسبقا ـ سنادا إلى آيات ـ أن الأرض كانت متحركة منذ خلقت ، ثم جعلها الله تعالى ذلولا بعد شماسها ، وهنا تعرفنا على بدايتها في انتظام حركاتها أنها بعد خلق السماء قبل تسبيعها.
وفي روايات مستفيضة أن الدحو كان من تحت الكعبة ـ زادها الله شرفا ـ.
فعن إمام المتقين علي عليه السّلام : «إن شاميا سأله عن مكة المكرمة لم سميت مكة؟ قال : لأن الله مك الأرض من تحتها ، أي دحاها».
والمك هو الدحرجة كما في القاموس ، وعنه عليه السّلام أيضا : «فلما خلق الله الأرض دحاها من تحت الكعبة ثم بسطها على الماء».
وهذه كرامة لمكة المكرمة أنها نقطة الابتداء لانتظام حركات الأرض الناتجة عنه مختلف ألوان الحياة ، وكما أن حج البيت قيام في الحياة وانتظام للحركات الإنسانية في مختلف مجالاتهما (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ) أي نقطة تلاق وانطلاق لكافة المتطلبات الحيوية الجماعية الإسلامية السامية.
هذا ، وإن تفسير الدحرجة لدحو الأرض ما تصرّح به اللغات الصراح والأحاديث المفسرة لحق المعني منه ، ولا تنافيه اللغة والأحاديث التي تفسره بالبسط ، لأن انبساط الأرض في نفسها وللحياة هو لزام حراكها المنظمة المعقولة الدورانية ، إذ كانت لينة تتأثر بالحراك على أثر قانون الفرار عن المركز ، ولم يفسره ب «البسط» إلا لغة التفسير ، وكما نراه في الكثير من كتب التفسير ، وكذلك الأحاديث التي تعني تفسير النتيجة الهامة من دحوها وحراكها ، ومن الشاهد عليه أننا لا نرى البسط في معنى الدحو إلا بالنسبة للأرض لا سواها!
وإن أهم ما أنتجه دحو الأرض وطحوها هو بسطها وإخراج مائها ومرعاها وإرساء جبالها في أعماقها ، بعد أن كان ماؤها مخبوا فيها ، وجبالها لينة دون رسوّ في قطع أديمها.
إن بداية ظهور الجبال هي من حصيلة الأمواج التي ظهرت على سطح الأرض